– بقلم جويس ماير
يُعرف القاموس كلمة “ضغوط” بأنها توتر وشد ذهني وعاطفي وجسدي” وأضيف على ذلك أنها مشاعر ضيق وتوتر. إنها حالة مألوفة لدى كثيرين منا وهي جزء طبيعي من الحياة اليومية وقد لا يمر يوماً دون أن نختبر مثل هذه المشاعر بطريقة أو بأخرى.
نحن نعيش في عالم إيقاعه سريع جداً ونتيجة لذلك تتزايد المتطلبات التي علينا أن نوفيها عام بعد الآخر. ومع إيقاع الحياة السريع صار الناس يهرولون مسرعين وفي معظم الأحيان نجدهم وقحين وغير صبورين. ما أكثر الذين يعانون من ضغوطاً مادية واجتماعية وعائلية بالإضافة إلى ضغوط نفسية وجسدية بسبب العمل لساعات طويلة وهذا النوعية من الحياة الصاخبة والمزدحمة يمكن أن تسبب مشاكل صحية بالإضافة إلى الضغوط.
لقد خلقنا الله بطبيعة تتحمل قدر معين من الضغوط ولكن عندما نحمل أنفسنا فوق طاقتها، سنواجه المشاكل. فهل تُحمل نفسك فوق طاقتها؟ ما أكثر الذين يعيشون على حافة الإنهيار محملين أنفسهم أكثر من طاقتها وفجأة تنهار حياتهم مثلما ينقطع الحبل المطاطي من كثرة الشد.
ويبدو أن الأجواء صارت مشحونة بالضغوط! ولكن الخبر السار هو أننا كمؤمنين نستطيع أن نكون في العالم ولكننا لسنا من العالم بحسب ما جاء في يوحنا 17: 14-16. لسنا مضطرين أن نسلك كما يسلك العالم ولا أن نتفاعل مع أنظمته كما يتفاعل بقية البشر، فإتجاه قلوبنا وأسلوبنا يجب أن يكون مختلف تماماً؛ فالعالم يتجاوب بالحزن والضيق مع المصاعب ولكن يسوع أوصانا في يوحنا 14: 27 ألا نضطرب أو نرهب.
تؤكد الآية السابقة أننا يجب أن نُغير نظرتنا للحياة. لقد لاحظت أن نظرتنا للأمور وأسلوب الحياة الذي نختار أن نحيا وفقه يمكن أن يغير المواقف تغيراً جذرياً. فإن خشيت أو توترت من أمر ما، فقد حكمت على نفسي بالبؤس من البداية لأن الخشية أو التوتر يؤديان إلى الشعور بالضغطة. لكن إن رفضت أن يكون لي مثل هذا التوجه أو النظرة السلبية للأمر، فتحت الباب أمام الله أن أن يفعل أمراً معجزياً لأنه يعتني بي. إنه اختياري!
لم يعدنا يسوع بحياة خالية من المضايقات والضغوط والمتاعب فقد قال في يوحنا 16: 33 “في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا (تشجعوا وتيقنوا ولا تشكوا) أنا قد غلبت العالم (جردته من سلطانه حتى لا يؤذيكم وقد انتصرت عليه من أجلكم)”. هذه الآية تعلمنا أن رد فعلنا تجاه المشاكل والضغوط يجب أن يكون مختلفاً تماماً عن رد فعل العالم وذلك لأننا نعلم أن يسوع قد جرد العالم من سلطانه حتى لا يؤذينا، وبالتالي نستطيع أن نواجه تحديات الحياة بهدوء وبثقة وثبات.
يقول الكتاب في لوقا 10: 19 “ها أنا أعطيكم سلطاناً (قوة وقدرة جسدية وذهنية) لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو(التي يمتلكها) ولا يضركم شيء.” يخبرنا يسوع أنه أهّلنا لكي ننتصر على العالم وطرقه. نعم سنظل نواجه تحديات ومشاكل من الصعب علينا أن نتعامل معها ولكنه يؤكد أنه لا يوجد شيء يمكن أن يهزمنا إن تعاملنا مع الأمور بالطريقة الصحيحة، بطريقة الله.
ولكي نتمتع بحياة يملآها السلام وحياة تخلو من الضغوط، علينا أن نتعلم كيف نطيع الله ونتبع قيادة الروح القدس لأنها يقودنا دائماً إلى السلام لأنه رئيس السلام.
من المهم أيضاً ألا نتعهد بالقيام بأمور أكثر من طاقتنا. فهل أنت منشغل بفعل الكثير؟ إليكم الشكوى التي أسمعها من كثيرين “لدي الكثير لكي أقوم به ولا أجد الوقت الكافي للقيام بكل هذه الأمور.” وذلك لأنهم لا يقولون “لا” بالقدر الكافي. فما أكثر المرات التي قلنا فيها نعم لأشياء لا نريد أن نفعلها ولا يجب أن نفعلها لمجرد أن نُسعد الآخرين. علينا أن نكون حريصين جداً بحيث لا تتسرع ألسنتنا بقول “نعم” تجاه أمور نشعر في قلوبنا بأننا لا يجب أن نفعلها.
علينا أيضاً أن نتأكد من أننا لا نحمل أنفسنا فوق طاقتها لأننا نريد أن نفعل أمور ليست في خطة الله لنا. فإن كنا نقوم بأشياء لم يطلبها الله منا، فلن يعطينا القوة ولا المعونة لكي نتممها. أنا شخصياً أعتقد أن السبب الرئيسي للضغوط التي يشعر بها كثيرون اليوم هو أنهم يفعلون ما يحسن في أعينهم بدلاً من أن يتبعوا خطة وقيادة الله لحياتهم. ما أحوجنا لاتباع قيادة الروحي القدس في كل ما تمتد إليه أيدينا ولأن نقول “نعم” للأمور التي يريدنا أن نفعلها و”لا” للأمور التي لا يريدنا أن نقوم بها لأننا عندئذ سنتمم إرادته لحياتنا وسننعم بالسلام.
دعوني أكون صريحة معكم: نحن لسنا قادرين على إدارة حياتنا بأنفسنا، لهذا أرسل يسوع الروح القدس لكي يقودنا ويرشدنا. يجب أن نكون حساسين لصوت الروح القدس. كم من مرة حاول الروح القدس أن ينخس قلبي لكي أستريح ولكني استمريت في الذهاب للمتجر ودعوة أصدقاء لمنزلنا وكان الأمر ينتهي بي منهكة وليس فقط متعبة. وكلنا نعرف أن الأشخاص المنهكين كثيراً ما يكونوا غير ودودين وغير صبورين ، الأمر الذي خلق خلاف ومشاحنات في منزلنا الأمر وضغوطاً كثيرة. لكن لو كنت أطعت الروح القدس، لتجنبت كل هذه المشاكل. الطاعة تُمجد الله لأننا نختاره دون رغبات الجسد الطبيعية. هل أنت مُنهك … أم هل يسوع مُمجد في حياتك؟ أنا أؤمن أن الطاعة هي مفتاح الحياة المنتصرة والصحية والسعيدة والممتلئة بالسلام.
تعلمت أيضاً أن أنحني حتى لا أنكسر. قبل أن أجعل كلمة الله أولوية في حياتي وقبل أن أتعلم أن أحيا حياة الطاعة، كنت دائماً أريد أن أحصل على ما أريد وبطريقتي الخاصة. كان من الصعب عليّ أن أتكيف أو أتأقلم وكنت أريد أن يتكيف الآخرون ليتأقلموا معي، الأمر الذي أدى إلى مزيد من المشاحنات والضغوط. أما الآن فقد تعلمت أن أنحني وأن أفعل أموراً بطريقة تختلف عما خططت لها … نعم الأمر صعب ولكنه أسهل بكثير من بقائي بائسة ومتضايقة.
تبكيت الروح القدس هو ذلك اليقين الداخلي الذي يخبرنا ماذا يجب أن نفعل وقد وصفه إيليا النبي بأن “صوت منخفض خفيف” في 1ملوك 19: 12 أو ربما صوت مرتفع مسموع ولكنه ذلك اليقين بالقرار الذي يجب أن تتخذه في بعض المواقف.
أتذكر أني ذات مرة ذهبت للتسوق وبعد قضاء ساعات، بدأت أشعر بالتعب ولكني لم أكن قد اشتريت كل ما أريد شراؤة لذلك ضغطت على نفسي بالرغم من تبكيت الروح القدس لي بأن أذهب إلى المنزل وآخذ قسط من الراحة. ولأني لم أكن قد حققت هدفي، لم أرغب في الذهاب إلى المنزل إلا بعد أن أشتري كل ما أحتاج إليه وأصل إلى الهدف الذي من أجله ذهبت للتسوق. ضغط على نفسي حتى وصلت لمرحلة ما بعد التعب وصرت غير صبورة مع الناس وكان من الصعب علي أن أفكر بطريقة صحيحة وبعد أن وصلت للمنزل، كنت قد استنفذت كل طاقتي، الأمر الذي أثر على الوقت الذي قضيته مع عائلتي.
لو كنت أطعت قيادة الروح القدس وذهبت للمنزل واخذت قسطاً من الراحة لكنت صرت أحسن حالاً ولكنت قضيت وقتاً ممتعاً مع عائلتي. نعم، نستطيع أن نتحاشى الكثير من الضغوط والمشاكل فقط إن أطعنا قيادة الروح القدس في حياتنا.
الانهيار يحدث نتيجة للإنهاك الجسدي والمعنوي وقضاء فترات طويلة في ضغوط. وعندما تستنفذ الضغوط أجسادنا، يضعف جهاز المناعة وبالتالي نكون معرضين لكثير من الأمراض ومنها الاكتئاب. ومن بين أعراض الانهيار: التعب المفرط، الصداع، مشاكل في الهضم، توتر، عدم القدرة على النوم، شد عضلي، عدم القدرة على الاسترخاء، البكاء لأقل الأسباب، الغضب، السلبية، الاكتئاب، الشعور بالمرارة تجاه البركات التي يحص عليها الآخرين. كل هذه من أعراض الانهيار.
وعندما ننهار، نفقد السيطرة على أنفسنا ونكون غير مثمرين. إن تجاهل قوانين ووصايا الله يؤدي إلى الإنهيار وذلك لأننا لا نستطيع تحميل أذهاننا وأجسادنا أكثر من طاقتها دون أن ندفع الثمن.
تُرى، بأي إيقاع تعيش حياتك؟ هل تعيش وفق إيقاع الله، أم شخص آخر؟ هل أنت مضغوط وتحاول أن تفعل كل ما يفعله الآخرون؟ هل تقارن نفسك بالآخرين؟ هل تبغي الكمال واضعاً أهدافاً غير واقعية؟
نعم، نستطيع ان نعيش حياة خالية من الضغوط في عالم يمتلئ بالضغوط، لكن الأمر يتطلب بعض القرارت الثورية التي يجب أن نتخذها. اسمح للروح القدس أن يقودك بعيداً عن حياة الضغوط، اكرم جسدك ولا تستهن بصحتك الجسدية والنفسية. لا تستنفذ الطاقة التي يمنحك الله إيها في الضغوط.
إليك بعض النصائح من كلمة الله التي من شأنها أن تجعلك تحتفظ بسلامك. النصيحة الأولى هي أن تهدأ وتسكن وتتوقف عن الجري. يقول كانت مزمور 46: 10 “كفوا واعلموا أني أنا الله. أتعالى بين الأمم أتعالى في الأرض.” خالق الكون يريد أن يتحدث معك ولكن كيف يتحدث معك إن كنت مشغولاً طوال الوقت. أهدأ واستمع له.
النصيحة الثانية هي أن تُعد قلبك حتى تقبل ما يريد أن يقوله لك. استمع له كل يوم “يا ليت قلبهم كان هكذا فهيم حتى يتقوني ويحفظوا جميع وصاياي كل الأيام لكي يكون لهم ولأولادهم خيراً إلى الأبد.” (تثنية 5: 29)
وأخيراً، اطلب وجهه في كل ما تمتد إليه يديك. اعزم في قلبك أن تطيعه وتنفذ وصاياه وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلبك وفكرك في المسيح يسوع. (فيلبي 4: 7)