التغلب على الحزن والوحدة

– بقلم جويس ماير

تعتبر مشاعر الحزن والوحدة من بين المشاكل التي يواجهها كثيرون اليوم بسبب فقدان شخص عزيز. والأمر المحزن هو أن كثيرون لا يتغلبون على هذه المشاعر. عندما نفقد شخص عزيز يبدو وكأن ألم الفراق لا يُحتمل وهنا يستغل إبليس الفرصة لكي يأسر هذا الشخص أو هذه العائلة في عبودية قاسية. إن موت شخص عزيز أو الانفصال عنه أو نهاية علاقة ما يسبب لنا ألماً وحزناً ولكن يجب أن ندرك هناك فرق بين مرحلة الحزن الطبيعية والمتزنة وبين روح الحزن الذي يحاول أن يلتصق بالشخص المتألم؛ فالأولى تساعد الشخص على التأقلم والتحسن بمرور الوقت والثانية تجعله أسوأ حالاً وأكثر تعاسة.

 

ولكي يتغلب المؤمن على هذه المشاعر، يجب أن يفهم المراحل التي يجتاز فيها أثناء هذه الفترة نتيجة فقدانه لشخص عزيز على قلبه. ومن الطبيعي أننا لا نختبر هذه المراحل بنفس القوة ولكن مما لا شك فيه هو أن مشاعرنا تكون مجروحة ومُكمدة وتحتاج إلى شفاء والشفاء عملية يسير فيها الله مع أولاده خطوة بخطوة إلا إذا اختار أن يصنع معجزة.

 

الصدمة والإنكار من بين أول الأمور التي يختبرها الشخص المتألم  وهذان الأمران يحميان الشخص من الإنهيار. فكما يعمل ماص الصدمات في السيارة على حمايتها من المطبات غير المتوقعة في الطريق والذي بدونه قد تتفكك السيارة نتيجة لهذه الحركات العنيفة خلال السفر على الطريق، هكذا نحن أيضاً. فنحن نسافر في رحلة الحياة وفي بعض الأحيان تقابلنا مطبات غير متوقعة وكثيراً ما نكون غير مستعدين لها ولهذا يعمل الروح القدس -والذي أشبهه بماص الصدمات- على حمايتنا من الصدمة إلى أن نتمكن من التكيف وتغيير طريقة تفكيرنا لكي نتعامل مع هذا التغيير المفاجئ في رحلة الحياة. الصدمة والإنكار أمران طبيعيان في حال كانا مؤقتين، ولكن إن صارا أمران دائمين وإن رفض الشخص قبول الواقع والتكيف معه، تحولا إلى مشكلة كبيرة.

 

بعد ذلك يشعر الشخص بالغضب تجاه نفسه ويفكر في بعض الأشياء التي كان من الممكن أن يقوم بها لكي يمنع هذا الأمر من الحدوث. تذكر أن إبليس يريد أن يجعلنا نحيا حياة يملأها الندم فنقول “أتمنى لو كنت قد فعلت هذا أو ذاك” ويريدنا أن نشعر بالذنب والإدانة حتى نكره أنفسنا.

 

قال بولس الرسول في فيلبي 3: 13 “ولكني أفعل شيئاً واحداً إذ أنا أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام” وعبارة أمتد لما هو قدام تعني أن نستمر في تقدمنا للأمام بالرغم من مقاومة العدو لنا.

 

ومع نهاية كل شيء، توجد بداية جديدة وإبليس يحاول بكل قوته أن يبقينا خارج كل مكان جديد يعده الله لنا. فهو يريد أن يأسرنا في الماضي ويجعلنا نعيش في بؤس دائم نتيجة لمشاعر الغضب وإدانة الذات التي يملأنا بها.

 

قد يشعر الشخص بالغضب تجاه الشخص الذي رحل أو توفى. أخبرتني خالتي ذات مرة أنها كانت تضرب الوسادة التي كان ينام عليها زوجها وتقول “لماذا تركتني؟” لا شك أنها كانت تعلم أنه لم يتركها بإرادته ولكنها كانت تتكلم وفقاً لمشاعرها، فمشاعرنا لها صوت وعندما تُجرح تتألم وتتكلم وكأنها حيوان مجروح والحيوان المجروح يشكل خطراً كبيراً. هكذا المشاعر الجريجة إن سمحنا لها.

 

من المهم أن يعرف الشخص المتألم هذه المراحل وعليه ألا يسمح لمشاعره المتألمة أن تقود حياته. أيضاً على الشخص الذي فقد شخص عزيز عليه ألا يقدم على اتخاذ قرارات مصيرية في هذا الوقت لأن مشاعره تكون في حالة عدم استقرار.

 

وفي بعض الأحيان يشعر الشخص المتألم بغضب تجاه الله وهذا أمر مألوف حيث يسأل الشخص “إن كان الله صالح وكلي القدرة ومحب، لماذا لم يمنع هذا الأمر من الحدوث؟” وهنا يتدخل إبليس ليبني سوراً بين الله وبين الشخص المتألم فيستغل الفرصة ليقنعه بأن الله ليس صالح وأنه غير جدير بالثقة. ولكننا نعلم من خلال دراستنا لكلمة الله أن إبليس كذاب وليس الحق فيه.

 

تقول كلمة الله في يعقوب 1: 12-13 “طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة، لأنه إذا تزكى ينال إكليل الحياة الذي وعد به الرب للذين يحبونه. لا يقل أحد إذا جُرب أني أجرب من قبل الله لأن الله غير مجرب بالشرور وهو لا يجرب أحد.” ثم يقول أيضاً في عدد 17 “كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران.”

 

هذا يعني أن الرب صالح ولا يمكن أن يكون غير ذلك كما أنه لا يتغير. هو صالح وسيظل هكذا إلى الأبد. لكن ماذا عن “إن كان الله صالح وكلي القدرة، لماذا لم يمنع الأمر من الحدوث؟” ولكي أكون أمينة معكم، هناك أسئلة لا أجد لها إجابات. يقول الكتاب في 1كورنثوس 13: 12 “الآن أعرف بعض المعرفة، لكن حينئذ سأعرف كما عُرفت.” فالثقة تستلزم قبولنا لأسئلة بلا أجوبة. علينا أن نكتفي بمعرفة الشخص الذي يعرف كل شيء ونضع ثقتنا فيه. إنها لمن الحماقة أن نغضب من الله لأنه الشخص الوحيد القادر أن يعين ويعزي ويمسح الحزن والدموع من عيوننا.

 

أيضاً يمر الشخص المتألم بمرحلة من التعبير عن مشاعره بالبكاء والنحيب وهذه المشاعر تذهب وتجيئ من وقت لآخر وفي بعض الأحيان تكون غير متوقعة. دعونا لا نخشى التعبير عن مشاعرنا في ذلك الوقت ولنعلم أن هذه المرحلة ستمضي وبمعونة الروح القدس وتعزياته سيمضي هذا الوقت وسنخرج من هذه المرحلة منتصرين.

 

أيضاً تعتبر مشاعر التشويش والارتباك والخوف أمر طبيعي ويشعر البعض بالاكتئاب وبموجة من المشاعر المتأججة في بعض الأحيان بالإضافة إلى بعض الأعراض الجسدية نتيجة للضغوط العاطفية التي نمر بها وأنا أؤمن أن النقطة المفتاحية هنا هي التوازن.

 

يخبرنا الكتاب المقدس أن داود الملك اكتئب ولكنه رفض أن يظل هكذا ورفض أن يسقط في هوة اليأس. لقد وصف مشاعره ولكنه قرر واختار ألا يحيا وفقاً لمشاعره (انظر مزمور 42: 5-11 ومزمور 143) أنا أؤمن أن اجتياز مثل هذا الوقت الصعب بنصرة يتطلب إيماناً أكثر بكثير من مجرد النجاة منه. نعم البعض يختبر نصرة وحرية لحظية بعد فقدان شخص عزيز ولكن هذا لا يحدث مع كل الناس. فمعظمنا يجتاز مراحل عاطفية صعبة عندما نفقد شخص غالِ علينا. لذلك دعونا نجتاز هذه الأوقات بإيمان ولنخرج منها أقوى وأصلب مما كنا.

 

أخيراً أقول لك لا تفقد الأمل. إن كنت تتألم الآن نتيجة لغياب شخص عزيز على قلبك، اعلم أنها بداية لمرحلة جديدة. نعم قد لا نفهم ولكن دعنا نثق في الإله القادر أن يجعل كل الأشياء تعمل معاً للخير.

 

Facebook icon Twitter icon Instagram icon Pinterest icon Google+ icon YouTube icon LinkedIn icon Contact icon